Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

Profil

  • Tunisie mon pays!
  •  Vive la Tunisie Libre
  • Vive la Tunisie Libre

Recherche

Archives

14 juillet 2008 1 14 /07 /juillet /2008 12:35
الحوض المنجمي: رحلة البحث عن العدالة
 
 
بقلم: الصحبي صمارة

"كلمة" كانت بين أهالي الحوض المنجمي الغاضبين والذين تجمّعوا أمام محكمة قفصة منذ صباح الخميس الماضي 27 جوان إلى آخر ساعات الليل ينتظرون التصريح بالحكم على أبنائهم. وذلك بعد إحالة 28 منهم بتهم تتعلّق بالتظاهر والاعتداء على الأمن العام وعلى موظّفين أثناء أدائهم لمهامّهم


وإلقاء موادّ صلبة وغيرها من التهم التي صاغتها الأجهزة الأمنية في مدن الحوض المنجمي. وقد تعلّقت المحاكمة الجماعية ليوم الخميس المنقضي بآخر المستجدّات التي شهدها الحوض المنجمي وبالتحديد بمعتمدية الرديف يومي 5 و6 من شهر جوان المنقضي.

وتستمرّ منذ مطلع السنة الجارية انتفاضة أهالي معتمديات الحوض المنجمي الأربعة، المظيلة، الرديف، أم العرايس، المتلوّي والتي انطلقت في 6 جانفي الماضي بنصب أبناء الرديف لأكثر من خمسين خيمة في اعتصام جماعي احتجاجا على التلاعب بنتائج مناظرة الالتحاق بشركة فسفاط قفصة.

من الاحتجاج إلى الانتفاضة

 الاحتجاجات تواصلت بين التوتّر الشديد والهدوء النسبي وغيرت مكانها من معتمدية إلى أخرى وتحوّلت إلى كرة ثلج تضمّ في جسمها أصنافا من المعطّلين من خريجي الجامعات ومن دونهم ومن المعوقين في حوادث شغل ومن المطرودين من عملهم ومن المتضرّرين من سياسة المناولة باليد العاملة وضحايا الطرد النقابي وضحايا الفقر والأمراض المزمنة.

وتحوّلت هذه الاحتجاجات إلى انتفاضة حقيقية لجهة كاملة من جهات البلاد التونسية خصوصا وأنّها لم تعد تقتصر على شريحة ما أو فئة معيّنة بل شملت جميع السكّان بما أكسبها صفة الانتفاضة. وقد أحالت السلطات الأمنية العشرات من الموقوفين من الجهة ينتمون إلى شرائح  عمرية مختلفة وإلى مستويات تعليم مختلفة بعد أن احتدّت المصادمات يوم 5 جوان وتمّ استعمال الرصاص في مواجهة المحتجّين على الأوضاع الاجتماعية الصعبة والتي ازدادت حدة خصوصا في هذه الجهة من البلاد التونسية. وانتهت المصادمات بمقتل الشاب الحفناوي المغزاوي الذي لم يكن أوّل ضحايا مواجهة الجائعين بالرصاص إذ سبقه إلى الموت الشاب هشام العلايمي قبل شهر واحد بصعقة كهربائية بينما كان معتصما للمطالبة بحقّه في الشغل. وينضاف إلى القتلى أكثر من عشرين جريحا مصابا بطلق ناري كان الهدف منه على حدّ تعبير الرواية الرسمية للسلطة وتصريحات وزير العدل التونسي الردّ على اعتداءات بزجاجات مولوتوف استهدفت أعوان الشرطة.

ولم تتوقف كرة الثلج هذه رغم مرور ستّة أشهر عن بداية الاعتصام بل أنتجت صراعا حقيقيا بين الدولة ومنظوريها من مواطني هذه الجهات المحرومة من التنمية الحقيقية، فيما تطوّرت الأحداث إلى محاصرة هذه المناطق بعشرات الآلاف من أعوان الشرطة والانخراط في توجّه قمعي لهذه التحرّكات الاحتجاجية السلميّة التي يقف سقف مطالبها عند حدود الحق في الشغل الكريم والتنمية الجهوية.

آخر التطوّرات في مدن الحوض المنجمي شهدتها مدينة الرديف التي أدّى فيها النهج القمعي إلى سقوط قتيل وعشرات الجرحى أثناء المواجهات التي استعملت فيها قوات الشرطة الرصاص الحيّ يوم 6 جوان الجاري واستمرّ نفس الأسلوب بالقيام باعتقالات جماعية ومداهمات للمنازل واستيلاء على أملاك المواطنين وعلى محلاّتهم. وأعدّت السلطات سيناريو عقاب الجائعين بملفّات ومحاضر موجّهة إلى المحتجّين ضمّنتها تهما لا أساس لأغلبها من الصحّة ولا تفسير لها سوى أنّ عجزها عن القيام بواجبها تجاه أبناء هذه الجهات المفقّرة ورفض هؤلاء لاستمرار إقصائهم جعلها تمعن في التنكيل بهم حتّى يتوقّفوا عن المطالبة بالقوت.

العدالة المحاصرة     

بوجوه واجمة عليها سمات المعاناة والمكابرة استقبلتنا أمهات الموقوفين في انتفاضة الحوض المنجمي تحت شجرة البلّوط المنتصبة بشموخ أمام المحكمة الابتدائية بقفصة تضلّل على الممنوعين من الولوج إلى رحاب العدالة، قاعة المحكمة، التي انتصبت فرق الشرطة السياسية أمامها تطرد الأهالي وتسمح لمن تشاء بالدخول.

وفي حرارة طقس تتجاوز 40 درجة تجمّع العشرات من عائلات المتهمين، أمهاتهم وآباؤهم وأشقاؤهم وشقيقاتهم، تحت الشجرة ليبايعوا أبناءهم من أجل عدالة قضيّتهم.

إحدى الأمهات تبلغ من العمر 70 عاما وتحمل وشما جميلا على جبينها استدارت إليّ ورفعت صوتها بعد أن علمت من الشباب الحاضر أنّي صحفي ممنوع من دخول قاعة المحكمة "لسنا نحن الخائفون بل هم، وأبناؤنا طالبوا بالشغل فأطلقوا عليهم الرصاص.." وأضافت "عليهم أن يرحّلوا عساكرهم ويطلقوا سراح أبنائنا ويدعونا بسلام.."  

ويقبع في مدينة الرديف المحاصرة، والتي تعدّ قرابة 35 ألف ساكن، منذ ستة أشهر، آلاف من أعوان الشرطة موزعين بين وحدات التدخّل والتدخّل السريع والشرطة السياسية والحرس والشرطة.

وقدّر الأهالي أنّ عدد عناصر الأمن في الرديف يتجاوز 7 آلاف عون وأنّ العشرات من أبناء الجهة يحتمون بالجبل بعد أن تمّ اعتبارهم من المطلوبين لدى السلطات الأمنية ومن بين هؤلاء بشير العبيدي وهو أحد أعضاء لجنة التفاوض باسم أهالي المنطقة وقد احتمى منذ يوم 22 جوان صحبة ابنه مظفّر العبيدي بالجبل رفقة العشرات الذين تجاوز عددهم حسب تصريحات بعض الأهالي 194 فارّا كلّهم مطلوبون للمحاكمة. وأوقف خرّيج الجامعة المعطّل عن العمل الحفناوي بن عثمان منذ أسبوعين وقد تمّ الاستحواذ على حاسوبه الخاص وعلى آلة الطبع التي لديه ومصادرتهما دون تسجيلهما في محضر الإيقاف كما فرّ شقيقاه المهدّدان بالسجن.  

تحرّكات النساء تكسر الصمت

هذه الوضعية دفعت بنساء الرديّف إلى محاولة الخروج عديد المرات في مسيرات تضامنيّة مع أبنائهن وأزواجهنّ وآبائهن المطاردين.

هذا وقد أكّد لنا الأهالي أنّ قوات الشرطة تقوم بشكل مستمرّ باقتحام المنازل والاعتداء بالعنف المادي واللفظي على العائلات وخصوصا عائلات المطلوبين ويتمّ الاستحواذ على أجهزة الهواتف الجوّالة وعلى أموال من يقع بين أيدي الشرطة.

وقد منعت كلّ المسيرات النسائية بما دفع العائلات إلى الاعتصام في منازلهم وقرع الأواني احتجاجا على سلوك الأمن المرابط في أنهج الرديف وحولها بكثافة ورفضا لاستمراره في البقاء بعد ما ارتكبه من ممارسات في حقّ الأهالي.

وقال أحد النشطاء الحقوقيين في مدينة قفصة أن 17 تلميذا من معتمدية الرديف حرموا من إجراء امتحان البكالوريا وهم من بين المسجلين في معاهد خاصة وذلك لوجود أسمائهم ضمن قائمات المطلوبين لدى المصالح الأمنية.

للشرطة السياسية المحكمة وللأهالي الشمس الحارقة

أمام المحكمة الابتدائية بقفصة حيث تمّ عرض الشبان الموقوفين ومنذ ساعات الصباح الباكر ليوم قائظ شديد الحرّ رفضت فرق الشرطة السياسية السماح لأغلب أهالي الموقوفين بالدخول إلى قاعة المحكمة بعد أن سدّت الباب الرئيسي للمحكمة وبقي أهالي الموقوفين في الشمس الحارقة ينتظرون ما ستقوله المحكمة فيما يتعلّق بمصير أبنائهم. ورغم أنّ شرط علنية المحاكمة في هذا النوع من القضايا مكفول قانونا فإنّ فرق الشرطة قرّرت الاستحواذ على سلطة المحكمة وبقي أهالي الموقوفين إلى حدود العاشرة ليلا في الشارع.

وجرت المحاكمة التي حضرها أكثر من ثلاثين محاميا متطوّعا في وضع أقلّ توتّرا من المحاكمات السابقة حيث لوحظ تجاوب نسبي مع مطالب الدفاع من طرف القاضي فيما يتعلّق بتسجيل حالات التعذيب والسماح للمحامين بالمرافعة بشكل عادّي رغم أنّ القاضي نفسه كان في المحاكمة التي سبقتها أكثر تشدّدا ورفضا لقبول طلبات الدفاع.

اجتياح وحالات تعذيب

في اتصال مباشر بأهالي الموقوفين الذين منعوا من حضور المحاكمة وصف لنا البعض منهم الأحداث التي عاشتها الرديّف في الأسابيع الأخيرة مؤكّدين أنّ هذه المدينة المقفلة اليوم تعيش تحت وقع حكم أمني مطبق تمارسه قوات الشرطة ويتمّ التضييق على السير العادي واليومي لحياة الأهالي حيث يمنع التجوال في شوارعها بعد الثامنة مساء ويقع إيقاف الناس بشكل عشوائي والاعتداء عليهم وسلبهم أمتعتهم.

البعض من الأهالي عادوا إلى سرد حيثيات ما وقع أيام 5 و6 و7 جوان من مداهمات للمنازل واعتداء على المحلاّت ونهب لممتلكات المواطنين إلى حين قدوم الجيش الذي لعب دور الجدار الفاصل بين الآلاف من عناصر الشرطة والأهالي العزّل خصوصا وأنّ الاجتياح الذي قامت به قوات الشرطة في الأيام الثلاثة أدّى إلى نتائج كارثية.

وصرّح بعض الأهالي بوجود حالات تعذيب استهدفت الشبّان الموقوفين ومنهم جابر الطبابي 26 عاما أوقف في الليلة الفاصلة بين 4 و 5 جوان في العاشرة والنصف ليلا على مقربة من مركز شرطة الرديف من قبل دورية وتمّ نزع ثيابه بالكامل في الشارع والاعتداء عليه بالضرب وتمّ سحله في الشارع ثمّ نقل إلى المتلويّ عاريا حيث نال نصيبه من التعذيب في غرفة تحت الأرض ومن هناك تمّ نقله إلى منطقة الشرطة بقفصة وقد صرح بأنّ مركز التعذيب الأساسي في المتلوي علما وأنه قد تمّ وضع كيس على رأسه يغطي كامل وجهه ثمّ وضعوا العصا في دبره 3 مرات وقد أدّت عملية التعذيب إلى انتفاخ كبير في خصيتيه ورغم توجّهه بطلب إلى قاضي التحقيق _ مختار سعود ـ بإحالته على الفحص الطبّي فإن هذا الأخير رفض مقتصرا على معاينة الآثار وقد تمّ عرضه حافيا على حاكم التحقيق الذي أمر بالإفراج فعاد إلى المستشفى الجهوي بقفصة وأجري عليه عمليتين جراحيتين فشلتا في إنقاذه.

وقال الأهالي أنّهم اتصلوا يوم السبت المنقضي بعائلة أحد الموقوفين من رجال الصوفية أعلمهم أفرادها بأنّ والدهم عرض مقيّدا على حاكم التحقيق وأبرز له آثار التعذيب والتنتيف والحرق البادية على لحيته وصرّح للقاضي بأنه عندما طلب شربة ماء من العون الذي عذّبه بال له هذا الأخير في فمه.

هذا وقد تأكّد من قبل الشهود العيان ومن قبل بعض المحامين أنّ عددا من الموقوفين أحيلوا على حاكم التحقيق وهم يحملون كسورا واضحة لم تتمّ معالجتها.

ولم يغب على المحاكمة ملح السلطة وميليشيات الحزب الحاكم إذ قام محامي الحق الشخصي عبد الرزاق الدالي الذي جاء للدفاع عن أعوان الشرطة بالاعتداء بالعنف اللفظي على الأستاذة سعيدة قراج المحامية وعضوة جمعية النساء الديمقراطيات كما سعى إلى توتير أعصاب بقية المحامين لاعبا دور وكيل النيابة بمقاطعته لهم واستفزازهم بالتلفّظ بألفاظ نابية.

البحث عن العدالة

تمّ التصريح بالحكم في جلسة الخميس الماضي في ساعة متأخّرة من الليل وعجزت المحكمة عن إثبات أيّة حادثة استعمال للمولوتوف أو الزجاجات الحارقة فيما أثبت الأهالي أنّهم قادرون على الصبر أكثر في محنة سببها مطالبتهم بحقّهم في العيش وفي الشغل وتراوحت الأحكام بين 10 أشهر سجنا وعدم سماع الدعوى في قضيّة لا تزال حلقاتها مفتوحة ومحاكماتها تتالى لتعيش البلاد في الفترة المتبقية من العام الحالي على وقع محاكمات لأبناء جهة محرومة من التنمية ويعاني أهلها الفقر والبطالة والأمراض المنتشرة، جرّاء إنتاج الفسفاط.
 
انتفض أبناء الحوض المنجمي من أجل حقوقهم وبحثا عن العدالة في الماء والغذاء والدواء فأدمتهم سراديب قاعات المحاكم وأنفاق "العدالة" بعد أن قابلهم الرصاص الحيّ والرصاص المطّاطي ومسلسلات التعذيب وأقبية السجون والقنابل المسيلة للدموع التي انتهت صلاحيتها منذ 10 سنوات وأصيب أطفال الرديف بحساسية ظاهرة جرّاء الاستعمال المكثّف لهذه الغازات الحارقة.
 
أحداث الحوض المنجمي جعلت من الرديف شهادة إدانة حقيقية للسلطات ونزعت الستار عن كذبة التنمية الشاملة وقد تأكد من خلالها أنّ توجّه السلطة هو نفسه فيما يتعلّق بمطالب الحريات والحقوق السياسية ومطالب التنمية والحقوق الاجتماعية.

(المصدر: مجلة "كلمة" (أليكترونية شهرية – محجوبة في تونس)، العدد لشهر جويلية 2008)
الرابط:
Partager cet article
Repost0

commentaires